روضة الصائم

نفحات إيمانية: عدم إفشاء الأسرار الزوجية

20 مايو 2019
20 مايو 2019

حمادة السعيد -

الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.

ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وبين ضوابط للاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر وهناك حقوق مشتركة بين الزوجين ومن هذه الحقوق المشتركة عدم إفشاء الأسرار الزوجية وقد جاء في الوصية الجامعة لإمامة بنت الحارث لابنتها عند زواجها فلا تعصين له أمرا ولا تفشين له سرا .. فإنك أن عصيت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.

جاء في موسوعة الأخلاق الإسلامية لمجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر عن إفشاء الأسرار الزوجية: لقد جعل الله سبحانه وتعالى لكل من الزوجين حقوقا وواجبات، ومن هذه الحقوق حفظ الأسرار الزوجية، فكل من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشائها، لاسيما أن حياتهم الزوجية مليئة بالأسرار التي لا يعلمها سواهم من البشر. ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش، من الأشياء التي لا ينبغي لأحدهما إفشاؤها أو نشرها.

ولذلك حرم الشارع الكريم هذا العمل الذي يتنافى مع الأخلاق الإسلامية الحميدة. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل منكم رجل أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا، فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدث؟ فسكتن، فجثت فتاة على إحدى ركبتيها، وتطاولت- أي رفعت رأسها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه».

بل بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بأن مفشي سر زوجه من أشر الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرها».

قال السفاريني: يكره لكل من الزوجين التحدث بما صار بينهما ولو لضرتها.. لأنه من السر وإفشاء السر حرام.

وكذلك فكل من الزوجين مطالب بحفظ باقي الأسرار الأخرى التي تقع في الحياة الزوجية، بل حتى بعد الفراق بطلاق أو غيره، لا ينبغي له إفشاء ما كان بينه وبين زوجه من أسرار خاصة لا ينبغي إطلاع الغير عليها. فقد يروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة؛ فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال مالي ولامرأة غيري».

- وقال سبحانه: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم: 3.

قال القاسمي: أشار تعالى إلى غضبه لنبيّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه.

قال القرطبي: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه.

وقال الزحيلي في تفسيره «التفسير المنير: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ أي واذكر إذ أسرّ إلى حفصة على المشهور حَدِيثاً هو تحريم العسل الذي كان يتناوله عند زينب بنت جحش، وأيلولة الخلافة من بعده لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. نَبَّأَتْ بِهِ أخبرت حفصة عائشة بالحديث، ظنا منها ألا حرج في ذلك. وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أطلعه على المنبّأ به وعلى إفشائه. عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ عرف حفصة بعض ما فعلت وترك بعضه. الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ العالم بكل شيء، الْخَبِيرُ بما في السماء والأرض، لا تخفى عليه خافية.

إِنْ تَتُوبا أي حفصة وعائشة، وجواب الشرط محذوف تقديره: تقبلا. فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما مالت القلوب عما يجب للنّبي صلى الله عليه وسلم عليهما من التوقير والتعظيم، بحب ما يحبه، وكراهية ما يكرهه. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ تتظاهران وتتعاونان على النّبي بما يسوؤه ويؤذيه أو يكرهه فقد مالت قلوبكما عن حقه صلى الله عليه وسلم عليكما.

جاء في شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها» وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه وسلم إني لأفعله أنا وهذه وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أعرستم الليلة وقال لجابر الكيس الكيس والله أعلم.

وقال ابن الجوزي: والمراد بالسر ها هنا: مَا يكون من عُيُوب الْبدن الْبَاطِنَة، وَذَاكَ كالأمانة فلزم كتمانه.

وقال المناوي: ثم ينشر سرها: أي يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل. وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: إذا حدّث الرّجل الحديث ثم التفت فهي أمانةٌ.

قال الطحاوي: أي: إنها أمانة ائتمن عليها المحدث، فلم يجز له أن يخفر أمانته ويفشي سره; لأنه عسى أن يكون في ذلك ذهاب دمه أو ما سواه مما يفسد أحواله عليه. فإذا كان حفظ أسرار العباد من شيم الصالحين فإن حفظ أسرار البيوت من باب أولى حتى تدوم العشرة بين الزوجين وينعما بالسعادة.